إعلان

 

تابعنا على فيسبوك

مراسلة الغارديان بغزة: الموت بكل مكان وليس ثمة قدرة على النزوح

جمعة, 12/09/2025 - 15:59

"تعيدني خطة الجيش الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة إلى ذكريات الأيام الأولى من الحرب: التوتر والرعب والضغط النفسي، أخشى أن تتكرر دورة النزوح مرة أخرى".

بهذه العبارات تبدأ مراسلة صحيفة الغارديان ملاك طنطش تقريرها الذي أفردت له الصحيفة البريطانية صدر صفحتها الأولى، ويصف حالة القلق الكبير التي تواجهه عائلتها وعائلات أخرى، أمام أوامر إخلاء المنازل، وانتشار الموت في كل مكان، وانعدام القدرة على تلبية متطلبات النزوح.

وتقول ملاك "التاسع من سبتمبر هو عيد ميلاد أختي إيناس، كنا سعداء هذا الصباح، نشرب القهوة كعائلة ونروي النكات، حتى رأينا المنشورات تتساقط تطلب منا الإخلاء، والآن، بدلا من إعداد البسكويت والكعك للاحتفال، نحن نحزم أمتعتنا لتهجير آخر".

أقامت عائلة الصحفية طنطش في 10 أماكن منذ مغادرتها منزلها في بيت لاهيا، شمالي القطاع في بداية الحرب، لكن حضور فكرة النزوح القسري، لا سيما إلى جنوب قطاع غزة، أعاد لملاك مجموعة من الذكريات الصعبة، ولذلك أخذت تردد "لا أريد أن أعيش ذلك مرة أخرى، لا أريد العودة إلى الجنوب، على الرغم من أنه جزء من غزة، إلا أننا شعرنا بأننا غرباء هناك".

ذكريات النزوح إلى الجنوب

وتصف ملاك النزوح الأول "كنا نعيش في خيام، في حرارة الصيف وبرد الشتاء، ونكافح للحصول على الطعام والماء، ونواجه صعوبة في الحصول على الكهرباء والإنترنت".

وتتابع "في أول جمعة من الحرب، هربنا دون أن نعرف وجهتنا، مدفوعين بالخوف، حاملين فقط حقائب صغيرة حزمناها بسرعة بملابس خفيفة وبعض الضروريات الأساسية، كانت فترة قاسية، عشناها دقيقة بدقيقة في حالة من الارتباك التام".

الوالد في رحلة استطلاع تمهيدا للنزوح

وتوضح مراسلة الغارديان أن التطورات الأخيرة حتمت على العائلة الاستعداد لجميع الاحتمالات، ولذلك، قرر والدها قبل أسبوعين الذهاب إلى الجنوب للبحث عن مأوى للعائلة، تحسبا لخيار النزوح، وتقول "انطلق والدي على دراجته القديمة، حاملا حقيبة صغيرة تحتوي على بعض الطعام والماء".

كان أول ما لاحظه والد ملاك هو نقص وسائل النقل، حيث كان هناك عدد قليل جدا من السيارات التي لا تزال تعمل بسبب نقص الوقود، إذ يبلغ سعر لتر الوقود الآن 500 شيكل (148 دولارا)، أي 100 ضعف السعر العادي، كما أن عدد العربات التي تجرها الحيوانات على الطرقات أقل من ذلك، لأن معظم الخيول والحمير ماتت جوعا أو إرهاقا، وأصبحت معظم الشوارع الآن مجرد مزيج من الرمل والأنقاض والحجارة.

ظل الوالد يتساءل أين سيذهب جميع الأشخاص المقيمين الآن في شمال غزة، إذا ما اضطروا إلى النزوح، فعندما وصل إلى دير البلح، لم يجد مكانا للعائلة، أما بالنسبة لمنطقة المواصي، وهي شريط من الأرض يبلغ عرضه كيلومترا واحدا فقط، فهو مكتظ أساسا بالنازحين من رفح وخان يونس.

وتروي ملاك "أنهى والدي بحثه بزيارة (أبو أحمد) وهو صديق قديم من بلدتنا بيت لاهيا، ولا يزال في منطقة نزوحنا القديمة شرقي المواصي، حين عدنا إلى ديارنا أثناء وقف إطلاق النار مطلع العام الحالي".

لكن في غضون نصف ساعة -تتابع ملاك- ضربت 4 غارات جوية عنيفة على بعد بضع مئات من الأمتار، في الضواحي الشرقية من "المنطقة الإنسانية"، وتقول "ملأت هذه الهجمات والدي بالخوف"، فكيف يمكن للجيش الإسرائيلي أن يطلب إخلاء مدينة غزة من أجل سلامة سكانها، بينما يقصف الأماكن التي يدفع الناس للذهاب إليها؟

يخبر أبو أحمد والد ملاك بأن ما لا يقل عن 10 أشخاص يعرفهم استشهدوا في غارات إسرائيلية في غضون يومين فقط، فقد استشهد جاره وهو يحاول العثور على إشارة هاتف على قمة التل ذاته، الذي كانت عائلة ملاك تتسلقه للاتصال بالإنترنت.

وفي اليوم السابق، استشهد في غارة جوية فجرا توأمان مع والديهما، كما استُهدف 5 عمال في مزرعة قريبة، وهي واحدة من المزارع القليلة التي لا تزال تعمل في غزة.

وعن خلاصة الرحلة، تقول ملاك "غادر والدي المنطقة بسرعة خوفا على حياته، وعاد إلى الشمال، بعد يومين كاملين من البحث المستحيل، عن مكان آمن لا وجود له، عاد منهكا، وملابسه متسخة، ووجهه محروق من الشمس".

الفسطينيون يعودون إلى ديارهم في شمال القطاع في 27 يناير/كانون الثاني الماضي بعد 15 شهرا من النزوح (أسوشيتد برس)

العودة إلى بيت لاهيا

وتستدعي الصحفية مشاعرها عندما حانت لحظة عودة العائلة من نزوحها الطويل، إلى شمال القطاع، في يناير/كانون الثاني الماضي، وتقول "لا يمكنني أن أنسى أبدا الفرحة التي غمرتني في ذلك اليوم، وهو شعور لا يزال محفورا في قلبي، أتذكر الإرهاق المنعش، والراحة التي غمرتني عندما خطوت أول خطوة على أرض الشمال".

ورغم الدمار العميم في بيت لاهيا، حاول الناس استئناف الحياة، وصناعة ذكريات جديدة، مع محاولات جادة لإصلاح الدمار الذي تسبب فيه الغزو الإسرائيلي، وتصف ملاك تلك اللحظة قائلة "شعرت وكأنني ولدت من جديد".

لكن الحرب استؤنفت، ومعها النزوح والجوع والخوف والمعاناة، وتروي ملاك كيف قتلت قذيفة دبابة إسرائيلية عمها بهجت (57 عاما) حين كان هو ووالدها يجمعان بعض الممتلكات من ملجأ قديم.