
فيما يُعلن الأكراد أو قوات سورية الديمقراطية أن تسليم السلاح مُستحيل، تُعلن تركيا بأن الإدارة السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع طلبت منها رسمياً الدعم لتعزيز قدراتها الدفاعية ومُكافحة التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها “داعش”.
لم تذكر أنقرة في تصريحات إعلانها دعم الشرع العسكري، أنها ستُقدّم سلاحًا لقتال الشرع إسرائيل، رغم أن الأخيرة، جرى اتهامها بأنها دعمت الدروز في أحداث السويداء، وعملت (إسرائيل) على تقسيم سورية، الأمر الذي قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه لن يسمح به.
ورغم إعلان أنقرة طلب حكومة الشرع الدعم الرسمي، بدا أن الرد التركي كان “مُتحفّظًا” حيث قال مصدر عسكري من وزارة الدفاع التركية وتماشياً مع هذا الطلب، نُواصل جهودنا لتوفير التدريب والاستشارات والدعم الفني لتعزيز القدرة الدفاعية لسوريا.
وتتحفّظ تركيا على الطلب السوري، حيث أقدمت سابقًا تل أبيب على قصف قواعد جوية وبرية وبحرية في سوريا أثارت حفيظتها، وقصفت في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، قاعدة “تي 4” في حمص، التي تردد أن تركيا تسعى لتحويلها إلى قاعدة جوية لها، ومطار حماة العسكري، الذي قيل إن تركيا تستخدمه في نقل المواد اللوجيستية اللازمة لإقامة القاعدة.
ولا يرتفع الصوت التركي إلّا حينما يتعلّق الأمر بالأكراد، حيث قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في تصريحات، الثلاثاء، إن بلاده ستتدخّل في حال اتجهت الأطراف الانفصالية في سوريا إلى التقسيم، وستعدّ ذلك تهديدًا لأمنها القومي.
وعلى وقع أحداث السويداء الدموية، والتي تورّطت فيها قوات الشرع بانتهاكات، وجرائم، وسرقات، جاء لافتًا قرار لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي بتمديد أو تعديل قانون قيصر وإضافة بند حماية الأقليات، وهو القرار الذي اعتبره البعض المسمار الأوّل في نعش حكم الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع”.
وكان حكام دمشق الجدد يأملون إلغاء قانون “قيصر” الذي يفرض العقوبات على سورية، وينص المشروع على تمديد فترة الإعفاء من العقوبات من 180 يوما إلى عامين كاملين، كما يشترط الإنهاء الكامل للقانون في حال تأكدت الإدارة الأمريكية من التزام الحكومة السورية بتلك الشروط لعامين متتاليين، أو بحلول نهاية عام 2029.
ومن غير المعلوم تمامًا ماذا تُريد العربية السعودية من حكومة الشرع، حيث وفي حين بدأ الإعلام الغربي تصويب سهامه الناقدة للحكومة بعد أحداث السويداء، وقبلها الساحل السوري، وتُطرح التساؤلات حول قدرة الشرع على الحكم، والبقاء، شهدت العاصمة السورية دمشق اليوم حدثاً اقتصادياً لافتًا تمثّل بانعقاد منتدى الاستثمار السعودي- السوري.
ويُقدّر حجم الاستثمارات المطلوبة لإعادة الإعمار في سورية خلال العشرين عاماً القادمة يُقدّر بـ400 مليار دولار.
وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح الذي وصل الأربعاء إلى دمشق على رأس وفد يضم أكثر من 150 ممثلاً للقطاعين الحكومي والخاص، أعلن الفالح في كلمته أن هذا المنتدى سيشهد توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار ريال سعودي (5,6 مليارات دولار).
يحدث هذا، فيما قد تكون إجابة المبعوث الأمريكي لسورية توم باراك حينما سُئل عمّا إذا كان من الممكن أن تشهد سوريا سيناريوهات كارثية مثل ليبيا وأفغانستان، قال: “نعم، أو حتى أسوأ”.
وفي مقابلة في بيروت، قال باراك لـ “رويترز” إنه في غياب التغيير السريع فإن الشرع يُخاطر بفقدان الزخم الذي دفعه ذات يوم إلى السلطة.
وأشار باراك إلى أنه ينبغي على الشرع أن يقول: “سأتكيف بسرعة، لأنه إن لم أتكيف بسرعة، فسأفقد طاقة الكون التي كانت خلفي”. وأضاف أن بإمكان الشرع أن “ينضج كرئيس ويقول: ‘الصواب أن أتخلى عن نهجي، الذي لا يُجدي نفعا”.
أمام هذا كله، يبقى التساؤل المطروح سورية إلى أين؟، وهل هناك دولة جديدة قامت فعلًا بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد بجيشها ومُؤسّساتها، وهل تخشى أنقرة على مصالح سورية، وتُريدها قوية، وموحدة، وهل فقد الشرع أسهمه غربيًّا بإصراره على نهجه السلفي الجهادي، وإقصاء الغير، وماذا لو جرى اغتياله، هل ثمّة بديل، أم أنّ إسقاط سورية كان أمْرًا حتميًّا، ومُخطّطًا لتقسيمها؟
ختامًا، يُلخّص الكاتب التركي يوسف ضيا جومرت لعلّه المشهد في سورية حين يقول في جزئية من مقاله: “سوريا المشرذمة والضعيفة، أنسب لمصالح إسرائيل على المدى الطويل. وإسرائيل تعمل لتُشعر الأقليّات الدرزية والكردية أنها أقرب إليها من نظام الشرع، وتبقى بالتالي ممسكة بخيوط التأثير داخل سوريا. وإسرائيل أيضاً ترى أن احتمال نشوب صراع مستقبلي مع سوريا قائم ليس مع النظام الجديد الذي قدّم لها كلّ شيء، بل مع المجتمع السوري نفسه”!
واجتاحت سوريا نهاية العام الماضي مجامبع من العصابات الإرهابية المسلحة وقطاع الطرق؛ بدعم تركي غربي؛ ونصبت رئيسها محمد الجولاني رئيسا للبلاد.