
الزميلة والرفيقة، النائبة خديجة مالك چالو، مناضلة من الرعيل الأول، عرفتها في بداية الثمانينيّات، وجمعتنا لقاءات سياسية ونقابية، تارة تلعب دور اليسارية الموغل في التجرد من الانتماء الإثني، على خلفية النزعة الشيوعية المتجذرة في ذلك الانتماء، وتارة تلعب دور المتحدث باسم شريحة، أكثر حالها مضطهدة ومهمشة، على لغة الحقوقيين، والذين يلعبون على الوتيرة الإثنية والقبلية، وتراوح بين هذا وذاك حسب الظروف والمزاج واللحظة المناسبة.
لكنها في الآونة الأخيرة، وبعد انفجار الكتلة القيادية في هذا التكتل السياسي، واستئثار أحد الأجنحة، ذي النزعة القبلية، وانحسار عمقها الجماهيري مع العميد المرحوم محمد المصطفى بدر الدين، آثرت الخروج على تقاليد النظرة الديمقراطية الجامعة المانعة، وهو حال الكثير من أُطر MND المتموقعين في مفاصل ومراكز الدولة العميقة.
لن ندخل مع الأخت النائبة في نقاشة متاهات تجاوزناها منذ عقود، ولكن لن نقبل منها بعثها من جديد، وكأنها إحدى عراقيل التنمية وإرساء أسس الديمقراطية، ولن نقاش معها أصولها العربية على حد قناعة أسلافها و عصيانهم بالتحديد، تلك القناعة الطبيعية الخارجة عن التموقع السياسي والارتهان الأيديولوجي والمطامع الانتفاعية، فتلك مواقف خصوصية لا دخل لنا فيها، لكن نتمسك بحق الرد إذا تجاوز الطرح حدوده لتبدي ملحوظتين وارتدين:
١- فكونها ليست عربية، لا ينفي أن تكون موريتانيا، دولة عربية، بقدرما هي دولة إِفريقية، وهذا ما استمر عليه الوضع في أيام كانت هي نفسها تردد نشيدنا الطفولي العبق بالاندماج والاتحاد: إفريقيين و أعرب لثنين، في العالمين همزة وصل!
فلم يستجد شيء ينفي هذه المسلمة، تماما مثل كوننا دولة إسلامية، فوجود ملحدين فينا (وهم موجودون فعلا) أو وجود غير المسلمين، من مسيحيين وغيرهم، كل ذلك لا ينفي أن تكون دولنا إسلامية، وترفع ذلك الشعار وتتبنى نهجه ولو بالعرف والعادة، على غرار سلوك الشيوعيين الذين يعبدون الله للمجتمع، فيغضبون الله ويخسرون كسب ود المجتمع.
٢- أن هذه عروبة موريتانيا أو عروبيتها، والنائبة تدرك ذلك بوعي تام، ليست عروبة إثنية أو عرقية، حتى تقابل بالفلمنكية أو الولفية، أو البولارية أو البنبارية، فهي انتماء فكري ثقافي حضاري، لا يمت للعرقية بصلة، ولو كتب للنائبة أن تلتقي بهذه المكونات في مرابعها وحياتها الانسيابية، لتبين لها ذلك، من الثقافة ومن الدين ومن السلوك، وهنا، ومن باب التنبيه والاستدراك، أؤكد للأخت النائبة خاديجة چالو، أننا يوم كنّا في الحركات السرية وفِي الصراعات النقابية، فإنني كناصري مطلع على الوضع الخاص والعام، أؤكد لك أن تنظيمنا كان يضم قرابة 80 مواطنا فلانيا، بصفتهم الإثنية العربية، كانوا معنا في اتحاد الطلاب وفِي نقابة الشغيلة الوطنية، ولحد الآن مازال ذلك الترابط قائما وموجودا.
ولعل هذا هو محل استغراب كلام النائبة، وفِي هذه الفترة من تاريخنا بالتحديد، بعد تجاوزنا لهذا الإشكال الابستمولوجي منذ عقود، وهي وحدها من يستطيع فك لغز ذلك الاستغراب.
يبقى السؤال المثار الآن، ماذا يترتب على هذا التصريح مما ترغب النائبة في الوصول إليه؟
هل هو رغبة في الانسحاب من جامعة الدول العربية مثلا، أم هو محاولة لإبعاد مواقف التقارب مع القضية الفلسطينية وتبنيها؟
واستطرادا في ذلك الطرح ومآلاته، ماذا سيقول العربي الإثني في موريتانيا؟
ألا ترين معي - سيدتي النائبة - أن تصريحا كهذا، من شخصية كهذه، يثير حفيظة من يركن انتماءه الإثني جانبا بغية المحاذاة والتراضي الاجتماعي؟
وإذا كان كل يعمل على شاكلته، وانطلاقا من أسرته وقبيلته وفصيلته، ألا ترين أن استنهاض مثل هذا النوع من إثارة النعرات والدعوات الجاهلية، يترتب عليه أن يقول الآخر: لست إفريقيا، فأنا عربي، وبالتالي استبطان دعوة الانسحاب من الاتحاد الإفريقي وطمس الهوية الإفريقية؟
ألا ترين معي، أختي العزيزة، أننا بهذا الطرح الرجعي، تنازلنا عن مواقفنا الريادية والنضالية، في تنوير المجتمع وبعث أسس الاندماج الاجتماعي تأسيسا للوحدة الوطنية التي ناضلنا مرارا وتكرارا لترسيخها؟.
أختي العزيزة، أربأ بك عن هذا الطرح الرجعي، الموغل في البداوة والبدائية، ولئن تفهمت أنه ردة فعل داخلي في صراع أجنحة القيادة في تكتلكم السياسي، فلا أستطيع تفهمه فكرة تصدر للعامة من مثل شخصية سياسية مرموقة وجديرة بالاحترام رغم الاختلاف البين في المشارب الثقافية والفكرية.
أ. أحمدو الشاش